كيف تكتب مقالاً أدبياً ؟
بقلم : رياض بن سليمان السلطان
كنت متردداً في بداية مقالي هذا .. هل أكون مباشراً في الطرح ، وألقي فكرة المقال بلا مقدمة ، أو أن استجيب لانتفاضة القلب عندما أتحدث عن (الأدب) ، أو أكتب ؟ !
نعم ! يهتز القلب ، وتأخذ النفس من النشوة راحةً طارفة ؛ فبيني وبينه - الأدب - شجون وأطوار وساعات أنس خلت من ضواغط الحياة المزعجة ..
فمهلاً بني قومي ؛ فمهلاً بني قومي !
ففي تلك الساعات تأرجح القلب في اللاشعور التي تجلل القلب الهدؤ، وتسيِّر معاني الجمال في فؤادي كمشية الحسناء من بيت جارتها (مر السحابة لا ريث و لا عجل ) ...!
الأدب : كالنجوم ؛ كلمات الليل الناعسة التي تصل العاشقين، وتورق السرور، والأنس في عيون المنادمين..!
كأنه زهور بجانب الغدير مصطفة حول معين استشعار الجمال المنشود ..!
تتطاير منه أحزان العمر، والأتراح السالفة ، ويجتمع شتات القلب، وتصبح الحياة أروع من بيضة ناصعة في روضة خضراء غناء ...!. * أريد في البداية أن نورد وصف المقال الذي أجمله أستاذنا الكبير د. حسين بن علي بن محمد . قال: ( ولعلنا نستطيع أن نجمل وصف المقالة فيما يلي :
1- قطعة نثرية محدودة الطول .
2- ينبغي أن تكون متسمة بالأصالة ، بمعنى التعبير عن الذات .
3- تقدم فكرة ، أو موضوعا ، أو قضية جديرة بالمناقشة .
4- يبرز فيها الانفعال الوجداني .
5- تحمل الإقناع ، والإمتاع .
6- عباراتها واضحة ، منتقاة .
7- فيها دقة الملاحظة ، و خفة الروح ) [1] - اختيار العنوان :
* كيف تختار عنوان مقالاتك ؟
* أما اختيار العنوان ، وطريقة استجلابه ؛ فهو من العوامل التي لها التقدمة في سبيل نجاح المقال .
فعنوان المقال الأدبي تأخذه من تلك المواقف المؤثرة ،أو المناظرالتي وضعت فيك رغبة للتعبيرعن اعتلاجات نفسك ، وتداعياتها تجاه ما رأيت .
فمثلاً: كنتَ متكأً على كثيب من الرمل ،تحت صفاء السماء ، والنفس هادئة؛ فقد ابتعدت عن كدر الحياة الممل ، تحس بأنك سعيد ، ونفسك مطمئنة..
ثم رأيت سحابة تسير لوحدها في علياء السماء تظهر السكينة ، والهدؤ كما النفس التي بين جوانحك . .
بيضاء ممردة .. كقلبك الغض الذي بتر علائق الحزن ، وأصبحت سلافة الضيق، والضنك فيه خائرةً أمام الطبيعة الوارفة ؛
فأخذت نفَسَك تساؤلاتٌ شتى : ما وجه الشبه بيني ، وبين هذه السحابة ؟
وهل كان لقاؤنا صدفة من غير موعد مضروب، أو حكمة إلاهية أرادت اجتماعنا في مثل هذه الساعة ؟! يا ترى هل تحس هذه السحابة بمثل ما أحس به اللحظة... ؟!
وبعد الكم من الأسئلة المتلاحقة ؛ ستجد نفسك مجبراً على رقم مشاعرك ، واعتلاجات نفسك بمداد أسود ، على ورق أبيض ، وتحت نور القمر !
لتظل ذكرى خالدة ، وتستعيد من خلالها ذكرياتك المؤنسة .
ونهايةً أقول : الفكرة الأدبية ، وعنوانها ؛ لا تتكلف ، ولا تصطنع ، ولكن هي هاجس الأديب في الخلوة، والجلوة ، وشغله وقت فراغه ، وقضيته حين يتأمل ، ويتفكر . .
وزاده الطبيعة الخلابة والنظرة المتأملة . . وهكذا يخرج الأديب بالفكرة الأدبية، والعنوان الأدبي المتميز . - صياغة العنوان :
بعد أن تحيط علماً بفكرة مقالك، وسر التأثير الذي دفعك لحكاية أحاديث النفس تجاه ما رأيت من طبيعة أخاذة ، وتطلعات مرضية ؛ تأتي الخطوة التي بعدها :
كيف تصيغ عنواناً لمقالك ؟
أقول :
* بعد أن فهمت فكرتك جيداً ضع أقرب العناوين التي تفرضها نفسك عليك ؛ لكي لا تتكلف العنوان
فتفسد على نفسك ، وتضيق على عقول المتأملين فيه؛ فإذا أردنا أن نعمل لهذا مثالاً؛ فلنقترح عنواناً لمنظر (السحابة) السابق ؛ فنقول مثلاً :
(أنا والسحابة، أو قلب كالسحابة ،أو في معزل عن أعين الرقباء، أو أيتها السحابة ...) أو مايمليه ذوق الأديب ، ونظرته المتأملة،
المهم : أن لا تتكلف العنوان ، وتكد خاطرك من أجله ويحكي في نفس الوقت فكرة المقال الأساسية ؛
لأنه سيكون بعد ذلك بدايةً لوضع أفكار مقالك ونقاطه ؛ فلا بد من العناية بفكرته ، وصياغته . - ما علاقة العنوان بفقرات المقال ؟!
أقول :
* العلاقة وثيقة متأكدة ؛ فلن يشار إلى مقالك أنه متسلسل الأفكار ، وواضح في مقصده ، وفحواه وبنيته محكمة متماسكة ؛
إلا إذا ارتبطت فقرات المقال بعنوانه ، ووضعت الأفكار من خلال إعادة النظر ، والتأمل فيه .
وابتكار الأفكار مما يمليه – العنوان - على الأديب ؛ نختار من العناوين - السابقة - (قلب كالسحابة) .. اختار الكاتب- مثلاً- هذا العنوان ، وبدأ بعد ذلك يتدبر فيه ويتفكر ، ويدير خاطره فيه ؛ فيقول :
* يا ترى ما وجه الشبه بين خلوة قلبي ، وهدؤ نفسي في تلك الساعة ، وتلك السحابة الطارفة ؟!
ثم إلى أين تسير تلك السحابة ، وكيف نهايتها ، وهل القلب سائر على خطاها : في مسيرتها ونهايتها ؟!
وهل ممكن أن تكون الصدفة هي التي جمعت القلب بهذه السحابة، أو أن هذه حال المخلوقات التي تشابهت ظروفها لا بد لها أن تلتقي ؟!
ونهايةً :
* هل سينسى القلب بعد الفراق هذه السحابة ، ويا ترى هل من الممكن أن يكون لقاء آخر في المستقبل المنتظر ... أو يكون هذا أول لقاء ، وآخر لقاء...؟!.
وبعد هذا بإمكان الأديب من خلال هذه الأفكار أن ينطلق من ذلك العنوان إلى نهايته بلا مشقة ، ولا عنت . - بداية المقالة :
إن من أهم ما يقال تحت هذه النقطة ؛ ما يلي :
* أن تكون البداية ممهدة للفكرة ، وما يريده الكاتب ؛ فلا يصح دخول الكاتب مباشرة إلى صلب الفكرة ؛ ومن المقدمات التي تورد تحت هذه الفقرة المهمة ؛ مقدمة
* (المنفلوطي) في مقالته (مناجاة القمر)[2]:
(أيها الكوكب المطل من علياء سمائه ، أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد جمان ؟ أم ملك عظيم جالس فوق عرشه ؟ وهذه النيرات حور وولدان ؟ أم فص من ماس يتلألأ ؟ وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار ؟ أم مرآة صافية ؟ وهذه الهالة الدائرة بك إطار ؟ أم عين ثرة ثجاجة ؟ وهذه الأشعة جداول تتدفق ؟ أو تنور مسجور ؟ وهذه الكواكب شرر يتألق ؟!) لا حظ - أخي القارئ - أن مقدمته هذه ممهدة ، ولم يدخل في صلب الفكرة بعد ، والمتأمل في المقالة سيعرف ذلك جيداً .
- واعلم- أخي القارئ - أن مما يزيد المقدمة أهمية :
* أن المتكلمين عن المقدمات في المقالات الأدبية ، أو الخطب ، أو ما أُعِدَّ للإلقاء ، أو غيره ؛ يقولون :
* إن المقدمة هي أصعب ما يواجه المعبر ، أو الكاتب ، أو الملقي عندما يريد أن يؤدي رسالته .
* المقدمة الممهدة للفكرة هي التي تصنع لمسة الجمال ، والتأثير في المقال الأدبي ؛ ولن تصل إلى إجادتها ، أو غيرها من عناصر المقالة إلا بالدربة ، وكثرة المراس .[3] - مضمون المقال :
لن أقف عند الأفكار، وترتيبها ، وبنية المقال، وأهمية تسلسل النقاط ؛ لأنها من البدهيات والأسس التي لزاماً على الكاتب أن يكون قد عقل أهميتها ، وعنده القدرة على الوصول إليها .
أقول : مما ينبغي الإشارة إليه قولاً لأحد العلماء ـ المتقدمين ـ سيختصر على الكاتب كثيراً من القول في معرفة الألفاظ التي يجب أن يستعملها عند الكتابة ، يحاول التعرف عليها ، والوصول إليها ؛ يقول :
- هناك ألفاطاً يعرفها الناس ،ويتداولونها ؛ فلا ينبغي للكاتب أن يستعملها ؛ لأنها مبتذلة ؛ وهناك ألفاظ لا يعرفونها ..غريبة .. وحشية ؛ فلا يسوغ للكاتب أن يستعملها؛
وهناك ألفاظ يعرفها الناس ولكنهم لا يستعملونها ؛ لأن فيها رفعة، وفصاحة فلا يستعملونها لأن لغة التفاهم التي يريدونها بينهم في مُجريات حياتهم أبسط منها ؛ فهذه هي التي تستعملها - أيها الكاتب - ويكون لها ثقل ، وإكبار في أذن السامع . أ. هـ .
فلا تنقع أدبك في أوحال العامية ، ولا ترتفع ، وتبالغ حتى تصل الغريب الوحشي ، وتخرج عن حيِّز الفصاحة ، والبلاغة .
وستصل إلى هذه الألفاظ التي أرادها صاحب المقولة السابقة؛ من كثرة المطالعة في كتب الأدب المشهود لها بالذروة السامقة في عالم الأدب ، وبتميزها في حكم النقاد، ومن الأمثلة على مثل هذه الألفاظ ما استخدمه (المنفلوطي) في (مناجاة القمر) : (تشرف ، جمان ، الهالة ، ثجاجة وهادها، ونجادها ..) وغيرها مما ملئت به كتب الأدب ؛ والتي نصحنا بقراءتها أستاذتنا والعالمون في هذا المجال : ممن هم مرجع في هذا الضمار [4]؛ كما يلي:
- (وحي القلم) لـ (مصطفى بن صادق الرافعيّ) ؛ ويقول أستاذنا الدكتور : (عبد الله بن سليم الرشيد) : أنه قال - الرافعيّ - قبل موته ، أو في آخر حياته عن (وحي القلم) : (أنه روح من روح الله) وكتاب (على السَّفُّود - نظرات في ديوان العقاد) : أنه رجس من عمل الشيطان ) للقسوة التي انتهجها - رحمه الله - في كتابه على العقاد .
* والكتاب الآخر للعالم الكبير (محمود بن محمد شاكر) - رحمه الله -فقد قال عنه أستاذنا د. ( حبيب بن معلا اللويحق ) :
* (أنه من الكتب التي بلغت الذروة في المقالة عموماً ، وهو مفيد جداً لمن يقرأه) .
* ثم إن من الكتب التي تعين طالب الأدب عموماً القراءة في شعر (عمر أبو ريشة) ، وخاصة في امتلاك الصورة الفنية ، و الاستخدمات الراقية للألفاظ ؛ وقد سألت أستاذنا ، الدكتور: (عبدالله بن سليم الرشيد) بعمل دراسة على شاعر ؛ فأشار علي بـ (عمر أبو ريشة) وسأستفيد كثيرً !. والقراءة في شعر الدكتور : (عبد الله بن سليم الرشيد ) ، وكان آخر ديوان له ـ حفظه الله ـ (حروف من لغة الشمس ) ، وقد قال الدكتور : ( حبيب بن معلا ) عن الدكتور (عبدالله بن سليم الرشيد ) :
- إن أطال الله بعمره فسيكون من أفضل الشعراء السعوديين ، وأنه يملك أداة التصوير ببراعة تسر الناظرين ، والسامعين .
- ثم لا أجد لطالب المقالة بداً إلا أن يعيد النظر مراراً ، وتكراراً في كلٍّ من (مقامات الحريري) بشرح (أبي العباس أحمد بن عبد المؤمن بن موسى القيسي الشريشي) و(البيان والتبيين)
- (الجاحظ) تحقيق (عبد السلام هارون) .
- الرجوع إلى المعاجم اللغوية ضروري لطالب الأدب ، وامتلاك سحر القول ؛ لكي يكون عوناً للوصول إلى ما يحب الله - جل وعلا - ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن أجل هذه المعاجم والموسوعات ( لسان العرب ) لـ (ابن منظور) ؛ فمن خلال هذه المطالعات حاول جاهداً أن تختزن ما يمر بك من أمثال عربية ساحرة ، أو صور بارعة ، أو ألفاظ ، وتصريفات ملفتة لتكون عدتك في هذا المضمار ؛ كما يحب الله ، ورسوله .
- وهناك فكرة [5] طرحها أحد المتكلمين عن أصول الحوار ، وعلم الكلام - من المتـأخرين - يقول :
- هناك بعض الأفكار تحتاج في التعبير عنها إلى الجمل القصيرة ، وبعضها إلى الجمل المتوسطة وبعضها إلى الجمل الطويلة التي تحتاج إلى نفس طويل ؛ فلن تجد الكاتب يستعمل فيها الفواصل غير المنقوطة [6]، وبعضها يكفي الكاتب استشهاد ببيت شعري ، أو مثل من الأمثال العربية ويؤدي فكرته ، ومراده من غير نقص ؛ لهذا على الكاتب ؛لكي يكون دقيقاً في تعبيره أن يحدد ما المناسب لفكرته ؛ للتعبير عنها . . هل الجمل القصيرة ، ذات الفواصل غير المنقوطة ، أو المتوسطة
أو الطويلة ، ويراعى في كلٍّ علامات الترقيم ، وسلامات الجمل من الخطأ النحوي (6)
أو الصرفي ، أو البنائي . مثال للفكرة التي تحتاج إلى التعبير عنها إلى الجمل القصيرة ؛ قول ( المنفلوطي ) في (مناجاة القمر) : ـ (أيها القمر : إنك أنرت الأرض ، ووهاده ونجادها ، وسهلها ووعرها ، وعامرها وغامرها ...) ..
والمتوسطة قوله : ـ ( فهل لك أن تشرق في نفسي ظلمتها ، وتبدد ما أظلمها من سحب الهموم ،والأحزان ) .
وعموماً : كتب الأدب زاخرة بمثل هذا ، وأكثر ؛ ولكن نقب عنها بقراءة ناقدة ، وستستفيد كثيراً. ـ التنويع في استخدام المؤثرات داخل المقالة :
وذلك باستخدام الأساليب الإنشائية من نداء، واستفهام، وأمر، ونهي ، ونفي ، وتعجب ! .
- فمثال النداء : قول (المنفلوطي) :
- (أيها الكوكب المطل من علياء السماء . . أيها القمر المنير : إن بيني وبينك شبهاً ، واتصالاً) .
- ومثال الاستفهام الذي يبعث التفاعل مع المقالة الأدبية : قوله : - (وما هذا السيف المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك ؟!)
- ومثال الأمر : قوله : - (قف قليلاً ، لا تغب عني) إلى غير ذلك مما ستجده بكثرة ، ووضوح في كتب (الأدب ، وكتب النقاد الأدبيين) ،
وأنصح - حقيقة - لمن أراد التمكن من إعمال الأساليب الإنشائية في مقالته قراءة كتاب (الأساليب الإنشائية) لـ (عبد السلام هارون) .
- هناك ـ أيضاً ـ تنويع من نوع آخر ألا وهو :
- ومن المؤثرات التي لها النصيب الأكبر تأثيراً على القراء ، والمطالعين :
التصويرات الأدبية، والتعبيرات التأملية ، واستعمال أضرب الجمال الطبيعي، واستخدام الصورة الحالمة؛ للوصول إلى أعظم أداة يستعين بها الكاتب للتأثير في القراء ، وحتى النقاد .
ومثال هذه التصويرات قول (المنفلوطي) : - ( أيها الكوكب المطل من علياء سمائه أنت عروس تشرف من نافذة قصرها ،وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد من جمان ؟ أم ملك عظيم جالس فوق عرشه ؟ وهذه النيرات حور وولدان ؟ أم فص من ماس يتلألأ ؟ وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار ؟ أم مرآة صافية ..) .
- وأختم بهذا التحذير الذي أخذناه مشافهة من أستاذنا، وأخينا د : (حبيب بن معلا اللويحق )؛ حيث قال :
- إياك يا كاتب المقالة من النبرة الخطابية في مقالك الأدبي . أ. هـ
نعم ! اكتب بهدوء ، ويسر كأنك على ظهر زورق ،تسير على نهر راكد ، والبدر مكتمل أمام عينيك ، وهدؤ الليل الدجوجي يملأ مسامعك ؛ كأنك ماضٍ إليه :سفر اللاعودة إلى عالم النور، والصفاء .. دون أن تدفن مجدافك في ماء النهر ذي الأسراب الطيعة ...! - نهاية المقال :
لا بد أن يختم بطريقة توحي للقارئ أن الكاتب قد أدى رسالته المنتظرة منه في مكتوبه .
ولكن الفكرة التي يجب أن ينتبه إليها الكاتب في خاتمة المقالة :
ـ أن لايضيف فكرة جديدة تحتاج إلى تعبير ، وبسط ؛
إنما هي خاتمة ، ووداع تودع به القارئ لمقالك فلا تطرح الجديد الذي يحتاج إلى بسط ، وتناول أكثر . .
واقرأ إن شئت خاتمة المنفلوطي في (مناجاة القمر) : (أيها القمر المنير: ما لي أراك تنحدر قليلاً قليلاً إلى مغربك كأنك تريد أن تفارقني، وما لي أرى نورك الساطع قد أخذ في الانقباض شيئاً فشيئاً ، وما هذا السيف المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك ؟ قف قليلاً، لا تغب عني، لا تفارقني ، لا تتركني وحيداً؛ فإني لا أعرف غيرك ، ولا آنس بمخلوقٍ سواك .. آه ، لقد طلع الفجر ، ففارقني مؤنسي ، وارتحل عني صديقي ، فمتى تنقضي وحشة النهار ، ويقبل إليّ أنس الظلام !! ) .
ففي هذه الخاتمة عامل (المنفلوطي) القمر بما هو أهله ؛ فعادته الأفول ، ومن اللازم أن يكون آخر عهد بين الكاتب ، والقمر؛ فجعل توديعه ، وأفوله آخر المقال ، وخاتمته ؛ فكل نهاية مقال أدبي يجسدها الكاتب ، ويصوغها تكون بحسب فكرة المقال نفسه ، والأطراف، والأفكار التي صنعها الكاتب في مقاله الأدبي .
وفي النهاية : أتوجه إلى الواحد جل ، وعلا ، من خلق الأرض ، والسماء ، وعلى العرش استوى ! فأقول :
- اللهم ربي لك الحمد؛ كبرتنا من صغر، وأطعمتنا من جوع ، وكسوتنا من عري، وهديتنا من ضلالة ، وعلمتنا من جهل .. لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضى .. اللهم اجعل هذا العمل – القاصر- خالصاً لوجهك الكريم ، وتقبله مني برحمتك يا أرحم الراحمين ، وانفع به من يقرأه ممن أراد عزاً ، ورفعة لهذه الأمة يا رب العالمين .
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله ، وصحبه ، ومن اقتفى الأثر ، واتبع السنة إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً . ------------------------------- [1] (( التحرير الأدبي د. حسين بن علي بن محمد . ص: 161 ؛ مكتبة العبيكان ، الطبعة الثانية 1421هـ / 2000م )).
[2] (( مناجاة القمر ؛ لـ ( مصطفى بن صادق المنفلوطي ) ؛ المجموعة الكاملة ( الموضوعة ) ص : 61 إلى 63 ؛ دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان )) . ملاحظة : هذه المقالة هي محط كثير من الاستشهاد في هذه البحث المتواضع .
[3] عود نفسك على الكتابة في وقت معين ، والزمه ، ويكون هذا الوقت من الأوقات المريحة لك ، والزم الكتابة فيه ؛ وستجد أن هذا سيعينك على الإبداع ، واتقان المقالة ، ومع التجربة يتضح هذا جلياً .
[4] أمثال الدكتور : حسين بن علي بن محمد ، والدكتور : حبيب بن معلا اللويحق ، والدكتور : عبدالله بن سليم الرشيد .
[5] وقد عرضتها على أستاذنا ، الدكتور : حبيب بن معلا اللويحق . وقد استحسنها كثيراً ، وأثنى عليها خيراَ.
[6] لأن الفواصل القصيرة تستعمل في الجمل القصيرة ، التي فكرتها لا تحتاج إلى نفس طويل في الكتابة .