حكاية من ميدان التحرير
بقلم: أماني صالح
الشباب الحقيقي الذي قام بمظاهرات 25 يناير وعبر عن هم وطني غير مسيس بصرف النظر عن القافزون علي ثورة هؤلاء الشباب أو الراغبون في ضرب ¢كرسي في كلوب ¢التغييرالمنشود.
حقيقة كشف عنها حوار بالصدفة مع إحدي الفتيات التي شاركت في المظاهرات وتعاطفت مع مطالبها وإن لم تكن من الداعين لها في البداية..تحدثت لنا عن حيرة شبابية يعرفها جميع شباب الجامعة عندما تتفتح المدارك ويرغب الشاب في المشاركة فلا يجد حزبا جدير بالانضمام إليه..ويكتفي بالمراقبة من بعيد وتمر الأيام والسنون دون ان يدخل في دائرة الحدث..
معادلة تغيرت تماما يوم 25 يناير..الحكاية ما بين حماس الشباب ثم طموح الشباب وحتي خيبة الأمل أول أمس بحدوث الفتنة..ترويها فتاة عادية ..نكتفي بالإشارة الي الحرف الأول من اسمها ¢الراء¢..بدأت حديثها بفرحة وانهته بدمعة كحال مصر ما بين 25 يناير وحتي 2 فبراير.
في البداية سألتها :هل لديك اهتمامات سياسية دفعتك للمشاركة في المظاهرات؟
أجابت: لدي اهتمام بالشأن العام ككل المصريين ..في الجامعة وما بعدها كنت أريد الانضمام لحزب سياسي وظللت أبحث عن حزب لمدة 10 سنوات..كان من الممكن جدا أن انضم للحزب الوطني بكل التسهيلات المتاحة للانضمام إليه ولكني لم أبحث عن حزب يضيف لي دون أن أضيف له..
استبعدت حزب الغد لأن شعرت بعدم مصداقية تخص رئيسه أيمن نور منذ البداية..وحزب الجبهة وصفته بانه شخصيات محترمة ولكن أين الحزب نفسه؟
وهكذا اخذت تغربل كل الأحزاب المعروفة؟ حتي وصلت إلي حزب الوفد في عهد السيدي البدوي والذي أرادت الانضمام له فرحة بما به من تطوير ولكنها توقفت عند موقف ائتلاف المعارضة من الانسحاب من الانتخابات ثم المشاركة ثم الانسحاب من الإعادة واعتبرته تلونا سياسيا وحسابات لا تقبلها..
وتضيف:عندما قابلت شباب التحرير ..أخبرتهم عن حيرتي السياسية هذه وأشهد أن احدا منهم لم يحاول استقطابي سياسيا لأنهم أنفسهم غير مسيسين وكان كل اهتمامهم شرح مطالبهم الوطنية التي لا تختلف عن مطالب كل المصريين.
خرجت أبحث عن حزب فوجدت وطنا أوسع من ساحة الأحزاب..
هؤلاء الشباب من معرفتي بهم طوال أيام المظاهرات لا ينتمي لأحزاب ولكنه يحب البلد جدا..يقيم الأشخاص والمواقف جيدا..يفهم ما حوله ويرغب في التأثير والتغيير.
سألتها :كيف خرجت إلي المظاهرات؟؟هل تخرجين مع مجموعة؟وكيف تعرفت علي هؤلاء الشباب؟
أقسمت انها تخرج وحدها وتحكي يومها أنه يبدأ من ساعات انتهاء الحظر .في الثامنة صباحا تستقل المترو إلي وسط البلد وفي محطة جمال عبد الناصر يوجد بعض الشباب الذين يدلون المتظاهرين علي أماكن يتوجهون إليها..وقبل ساعات الحظر أعود إلي منزلي..
قالت ببساطة ¢أسير وراء الجموع وأعرف أنني لن أضل الطريق¢ وغالبا اتواجد في ساحة الميدان حيث الحديقة..لا يوجد موقع لقدم هناك ومع ذلك تبدو اهدأ زحمة شهدتها في حياتي..فلا تحرش ولا اصطدام..فقط شباب محترم انضم إليه الكبار ويحرصون علي الاهتمام بهم..
طلبت منها أن تحدثني أكثر عن هؤلاء الشباب ومشاهد من المظاهرات التي نزلت فيها في أيام الخميس والسبت والأحد والاثنين الماضيين.
امتلأ صوتها بالحماس وهي تقول: شباب حضاري يحرص علي عدم إلقاء ورقة أو حتي عقب سيجارة في مكان تظاهره..قبل الدخول إلي المظاهرة يقومون بتفتيش المتظاهرين مرتين للتاكد من عدم انضمام البلطجية أو حمل أي أسلحة....بعدها يقودون الناس إلي أماكنهم..يحدث أحيانا ان يخرج البعض علي النص في الهتاف فيرفض الشباب ترديد أي هتافات مسفة فتنذوي تلقائيا.وعندما حاول الاخوان وقد ظهروا في الايام الأخيرة فقط ركوب المظاهرة.رد عليهم الشباب ¢شعبية..شعبية¢
ويوجد بينهم ما يعرف بمجموعة العشرة وهم عشرة شباب يشبكون أيديهم واهم أقرب إلي الاستعلامات ما بين المتظاهرين.في حالة وجود مشكلة أو سؤال يلجا إليهم الجميع..
¢هل يقلدون تونس؟؟¢ سؤال حاول به البعض السخرية من الشباب في البداية وتلقته ببساطة لتجيب: في البداية فكرت مثل هؤلاء وأن الأمر مجرد تقليد لذلك ذهبت لاستطلاع الموقف بنفسي يوم الخميس لأجدهم شباب يؤمنون بما يفعلون ويعرفون أنهم ربما معرضون للخطر ومع ذلك يصرون علي التظاهر السلمي..
وتعلق ¢الجبان لا يكون شجاعا أبدا¢ فهؤلاء لا ينقصهم الشجاعة وانهم كان بهم كأخرين يأس فأعطتهم تجربة تونس الأمل وعرفوا منها أن الطريق هو التعبير عن الرأي فساروا فيه..وسرت معهم..
سألتها ¢ماذا تغيربعد 25 يناير؟؟¢
اجابتني انا نفسي تغيرت..صرت أكثر ثقة وأكثر حبا للوطن عندما شعرت به يتقبل غضبتي له..تعاطف الناس مع مطالب الشباب ويقينهم أنها مطالب كل المصريين..
الروح الجديدة التي انوي نقلها لابنتي "راء لديها ابنة في الرابعة" روح الانتماء لمصر لانها تستحق الانتماء ..روح التضامن مع هذا الشعب..روح الفعل مادمت لا تعوزني القدرة.. وتواصل :في المترو ..كنت اصطدم ببعض المعارضة من السيدات اللاتي يحاولن إثنائي عن المشاركة في المظاهرات ¢عيب انتي بنت..مفيش حد يلمك¢ وبينما بكت أحدي الفتيات من قسوة الكلمات.تعلمت من 25 يناير أن اتكلم واعبر عن رأيي..كنت أشرح لهن لماذا أذهب إلي المظاهرات واتفهم في الوقت نفسه قلق الأمهات..وفي الأيام التالية تحولت المعارضة إلي تفهم وتعاطف..بسبب الحوار..الناس تفهم الان أن ما يعانونه في ساعات الحظر هو مشاركة منهم لأبنائهم الذين خرجوا إلي التحرير وباقي المحافظات.
انتهي الحديث يوم الثلاثاء الماضي بابتسامة أمل ورغبة حقيقية في نقل مشاعر شابة لم تتجاوز الثلاثين إلي الاخرين لعلهم يروا الوطن بمثل هذه العيون المحبة البريئة.. ولكن هذه الابتسامة تحولت إلي نحيب في يوم التالي..أربعاء الفتنة..حاولت الاطمئنان علي ¢راء¢ هل شاركت يوم الأربعاء .سألتها عن موقفها بعد خطاب الرئيس مبارك الذي استجاب فيه لمعظم مطالب الشباب..
من بين دموعها قال¢ شاهدت خطاب الرئيس وتأثرت كثيرا بموقفه..ولذلك ترددت في النزول إلي التحرير في اليوم التالي .
كلمت بعض زملائي واقترحوا ان نؤخر النزول حتي الثانية عشرة ظهرا عندما تتضح الصورة..خصوصا وان لدي الكثيرين بقناعة بما تحقق بالخطاب..
ونزلت متاخرة فعلا لأعرف ماذا اتفق عليه الشباب وفي الطريق إلي التحرير.جاءتني المكالمات الهاتفية تدعوني إلي العودة إلي المنزل: قال لي الشباب أن هناك من يتحرش بالفتيات ويضرب الشباب المسالم..لا تأتي ..لم أملك سوي العودة..
اختنقت بين دموعها قائلة : لو تركوا الفرصة كان الشباب سيعود من تلقاء نفسه..ولكن الفتنة استهدفت شباب جميل استفرد به البلطجية..شباب شعرت انني واحدة منهم..عشت معهم..أحيا داخلي الأمل وبات لنا جميعا وطنا¢
ختمت حديثها ¢لو انتم من عايزينا..شوفولنا بلد تاني يقبل بينا¢ عبثا ضاع كلامي بانهم شباب يفتخر به مصر رغم الفتنة..تركتني وهي مصممة علي مساندة شباب التحرير والتواجد معهم من جديد..
لم ينته الموقف بفتنة الاربعاء بل ازداد تعقيدا..ولم يرفض الشباب وحده الحوار أنما رفضه المجتمع عندما ادخلهم في ساحة حربية وقد ارادوها سلمية ..شعبية