حافظوا علي مؤسسات الدولة يا شباب
بقلم: دكتور محمود وهيب السيد
قال الشباب والشعب كله قولتهما. فهما يريدان التغيير الشامل. التغيير الذي يشمل كل شيء ويطول كل شيء. وقد كان من المتوقع. في مثل تلك الظروف ومع تصاعد وتيرة الأحداث ونبرة الاحتقان. أن تحدث عمليات عنف متبادل بين الجماهير ورموز السلطة والنظام. وأيضا وأن تكون وبحكم الانفعال وانفلات الاعصاب أو الحماس الزائد. أن تكون هناك عمليات خروج عن النظام وخرق للقانون. وقد وصل ذلك لحد التعدي علي المنشآت والممتلكات العامة والخاصة بتخريبها أو سلب محتوياتها واحراقها في بعض الأحيان. كذلك طالت عمليات التخريب والاحراق بعض مؤسسات ومرافق الدولة. التي هي بالأساس ملك لهذا الشعب وأنشئت من أجل خدمته وإشباع احتياجاته وتوفير متطلباته الأساسية. في كل الثورات والقوات الشعبية والهيئات الجماهيرية. وفي كل بقاع العالم وعلي مر التاريخ حدث مثل هذا بل وأكثر.
لذلك كان. وفي ظل تلكؤ النظام عن سرعة الاستجابة لمطالب الجماهير وعجزه عن إيجاد قناة للتواصل منذ البداية مع رموز الشباب والشعب المحتجين. ثم الخطأ في التعامل مع حشودهم في ثاني يوم التظاهر باللجوء لوسائل العنف المفرط غير المبرر. أن حدث ما هو متوقع تفاقمت عمليات التعبير عن رفض النظام والتمسك بالمطالب. أن تتجه معظم أعمال العنف والتخريب. ليس فقط لمباني ومنشآت الحزب الحاكم. وتلك قد تكون مفهومة ومبررة. بل طالت أفراد ومنشآت الشرطة التي هي رمز للسلطة وأداة فرض النظام وحماية الأمن وتطبيق القانون. وقد زاد من أثر وحده أعمال العنف والبلطجة التي وجهت لمنشآت تلك الهيئة الهروب الكبير والغامض والمريب لأفراد تلك الهيئة عن جميع الساحات والميادين والتخلي عن القيام بمسئولياتها وأعمالها الأمنية والقانونية. فباتت البلاد في لحظة واحدة تعيش حال فراغ آمني عام وشامل. هروب عجز الجميع عن تفسير أسبابه وبيان دوافعه. وإن كان الرأي الغالب أن ذلك لا يمكن أن يتم وبهذه الصورة المخذية إلا بناء علي أوامر وتوجيهات صريحة ممن يملك توجيه مثل هذا الأمر لجهاز أسس وأنشيء علي السمع والطاعة. فكانت مباني ومنشآت ومرافق وأدوات عمل تلك الهيئة هي الأكثر تخريبا وإحراقا علي الإطلاق. ليس بالقاهرة وحدها ولكن علي مستوي الجمهورية جميعها وحتي أن تلك الأعمال لم توجه فقط للمنشآت الشرطية المعنية بأعمال حفظ الأمن والنظام وصيانة حقوق الأفراد مثل الأقسام ومراكز الشرطة وجهات البحث المختلفة. بل طالت أيضاً منشآت ومرافق وزارة الداخلية المعنية بتقديم خدمات أساسية أخري. كالمطافيء والأحوال المدنية وإدارات الجوازات. بل وطالت السجون والليمانات والنجاح في دخول بعضها عنوة بعد الاشتباك مع حراسها وقتل بعضهم وتهريب السجناء والمحبوسين. ومنهم الخطرون علي الأمن والمحكوم عليهم بالإعدام. حتي باتت كل تلك المرافق والمنشآت عاجزة تماما عن عودة البدء في قيامها بعملها والقيام بمسئولياتها الدستورية وتلبية احتياجات الجماهير الأساسية وعلي رأسها توفير الأمن والأمان له. إلا بعد زمن وجهد كبيرين. فضلا عن تكبيد ميزانية الدولة نفقات ضخمة نشك كثيراً في إمكانية تدبيرها علي المدي القريب. واضطرت الجماهير. وتحت حاجة وضرورة حماية الأرواح والممتلكات ومنع أعمال السلب والنهب وترويع المواطنين الأمنين في منازلهم. اضطرت لتكوين ما سمي بلجان شعبية تولت هي وبنفسها القيام بمحاولة توفير الأمن وصيانة الأرواح والممتلكات. بمعاونة القوات المسلحة التي اضطرت للنزول إلي الشوارع للقيام بأعمال ليست بالأساس هي مهيأة أو مؤهلة للتعامل معها.
تلك اللحظات العصيبة والمنفلتة حتما ستكون لها نهاية. اليوم أو غداً. سواء أجيب لمطالب الجماهير التي قد تنجح في فرض ما تريد علي النظام السياسي أم لا وقد بدأ أن معظم مطالب الشباب قد انصاع لها النظام والحياة يجب وحتماً أنها ستستمر. بأي صورة أو شكل. ومصر بإذن الله وفضله ستبقي ودائماً. لذا ينبغي العمل قدر الإمكان علي عدم النيل من مقومات الدولة وعناصرها وجودها. وقيامها بوظائفها ومسئولياتها الأساسية. والتي بقيت لأكثر منن الخمسة آلاف عام. والحفاظ عليها ورموزها ورجالها. فوجود الدولة مع قدرتها علي القيام بمسئولياتها الأساسية متوقف علي استمرار وجود هيبة واحترام رموزها ومؤسساتها. فبغير وجودهم يصعب علي الدولة بكل مؤسساتها ككيان سياسي وقانوني لازم لاستمرار تلبية وإشباع احتياجات المواطنين الأساسية يصبح أمراً بالغ الصعوبة. والخاسر الكبير والذي قع عليه العبء الأساسي من جراء ذلك سيكون هو المواطن العادي والبسيط. لذا ننادي من خلال هذا المنبر. ألا يأخذنا الانفعال وألا يجرفنا الاحتقان لندمر بأيدينا عناصر أساسية لحياتنا نحن.. وخاصة وقد بدأ عودة رجال من جهاز الأمن للقيام بمسئولياتهم القانونية علي استحياء. فدورنا بوصفنا شعباً عريقاً واعياً يدرك مصلحته جيداً ويعي لمخاطر الأعمال الطائشة والتي قد يقدم عليها البعض منه. أن يشجعهم ويشد من أزرهم في تحمل عبء مسئولياتهم. والتي تصب في النهاية في مصلحة الوطن والمواطنين ومصر كلها.. خاصة أن استجابة بعض الشباب المخلصين لمسئولياتهم لحفظ الأمن وحماية الممتلكات. فشكلوا ما سمي باللجان الشعبية لا يمكن الاعتماد عليه للأبد. فضلا عن أنه عمل يحفه محاذير كثيرة قد تنال منه وتحيده عن مساره النبيل إذا وجد بعض ضعاف النفوس فرصة للولوج من خلالها لتحقق اغراضاً شخصية. وهو أمر متوقع الحدوث كثيراً مع استمرار العمل بهذه اللجان..