يوم الحصاد
محمد فوزي مؤمن
استمعت منذ أيام إلي القاريء يقرأ قول الله سبحانه وتعالي "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" فكأني أسمعها لأول مرة. رغم أني أحفظها من عشرات السنين.
إنها آية تفصح عن سنة عظيمة من سنن الله سبحانه وتعالي في خلقه وعباده. فما من خير أو شر يفعله الإنسان. إلا كان لزاماً أن يري آثاره وعواقبه في الدنيا والآخرة. ولو فكر كل واحد منا في عواقب أفعاله وأعماله قبل قيامه بها. لكان لنا اليوم حالاً آخر غير الحال الذي نحياه اليوم!!
لذلك كان اساتذتنا الكرام دائماً يلفتون أنظارنا إلي ضرورة أحكام البدايات. لأن كل أمر صاحت بدايته. ستصلح نهايته. وكل أمر فسدت بدايته. ستفسد نهايته.
فالإنسان الذي عرف ربه. وعلم سبب وجوده علي ظهر هذه الأرض. وحدد أهدافه ورتب حياته علي أساس ذلك. ووقف حياته علي فعل الخير وبذل المعروف وتعمير الكون. سينعم بالراحة طوال حياته. وسيحظي بحب واحترام من حوله. وستحفظ له الأجيال القادمة حسن صنيعه. وسيصبح خير قدوة لمن بعده.
وأما إذا سلك الإنسان سبيل الشيطان. وانقاذ خلف رعونات نفسه إلي كل ما هو خبيث. وراح يفسد في ربوع هذا الكون الجميل. ويبث سمومه بين الناس لافسادهم وخداعهم. فالويل له إذا جاءه يوم الحصاد!! فكم من إنسان أعطاه الله تعالي نعمة المال. إلا أنه لم يرحم به بائساً. ولم يساعد به مسكينا. بل طغي وظلم وتكبر وتجبر. حتي جاء يوم الحصاد!! فسلب الله تعالي منه المال. وتركه صعلوقاً لا يجد قوت يومه. يمد يديه إلي الناس. ولم يجد أحداً يرحمه. لأنه لم يرحم أحداً.
وكم من إنسان أكرمه الله تعالي بنعمة القلم. وحسن النظم والكتابة. وحضور العقل. وتفتح الذهن. إلا أنه خان أمانة القلم!!. فدعا إلي مالا يؤمن به. وتكلم فيما لا يعلم. حتي صارت كتاباته نوعاً من الخداع والزيف. فتراه يدعو إلي آمر في الصباح. ثم يكفر به في السماء!!. حتي جاءه يوم الحصاد!! فماتت الملكة المتفتحة بداخله. وسلط الله تعالي عليه من يفضحه. ويظهر عوره وفساد قصده. فلا يرحل عن الدنيا حتي يلعنه الصغير قبل الكبير!!
أيها السادة .. إن لهذا الكون رباً لا يغفل ولا ينام. ومن الحماقة والجهل أن يعتقد إنسان أنه بوسعه أن يفعل ما يشاء. دون أن يحصد ثمرة أعماله وأفعاله!!
والناظر إلي واقع أمتنا اليوم. يري أموراً تفري الكبد!!. يري ذلة ومهانة. ويري أمراضاً وأوجاعا ما سمعنا بها من قبل!! ويري اختلافاً وعداوة بين أبناء الأمة الواحدة. وما ذلك إلا لسوء الحال مع الله تعالي وجعله أهون الناظرين إلينا!!. فإذا أردنا صلاح الحال. واستقامة الأمور. فلابد وأن يبدأ كل واحد منا بإصلاح نفسه. وتخليصها من الذنوب المهلكة. والتوبة والعودة إلي الله تعالي والعمل الجاد من أجل النهوض بهذه الأمة.
ولا أملك إلا أن أذكر الجميع بقوله تعالي "اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه".
والله تعالي المستعان.