منذ عرفت البشرية الحضارة وكان مركزها الأول في مصر والصين..تعارف التاريخ بأن مصر الخضرة والاستقرار..هي الأم لسكان العالم القديم..أطلق عليها أم الدنيا..ايزيس..بهية..فاطمة وقبلها أم الصابرين..فقد صنعت حضارتها بأيدي أبنائها..ولم تبخل علي البشرية..بالاقتباس منها..مهما كانت المسافة بعيدة "اكتشفت علي سبيل المثال أهرام فرعونية في المكسيك بأمريكا اللاتينية" حملت شعلة الحضارة..تمضي في طريق البناء الصعب..وكان طبيعيا أن تكون محلا لأطماع البرابرة والمغامرين الغزاة..فقاومت الحركات المعاكسة للتاريخ ..من الهكسوس..حتي التتار..والأتراك والصليبيين والفرنسيين والانجليز والصهاينة..لم تغمد علم المقاومة إلا مع الذين اكتشفوا الحل السحري.في الاندماج ضمن ¢طينة¢ الشعب المصري.وأصبحوا بالفعل جزءا منه..لم يفرط أبناؤها في حمايتها..انتظموا في صفوف ثورات تقاوم الظلم والطغيان والعدوان..لم ينكسروا أمام غريب مدجج بالسلاح..وربما أحيانا الاغراءات..إلا لينهضوا من جديد..يحصلون علي حقوقهم المشروعة..ويساندون بقوة من يريد السير علي طريق التحرير..
هذه الأيام...تطل علينا أم الصابرين من ميدان التحرير..تصنع معجزة التغيير الحقيقي للوطن..وتكشف عن الجوهر النفيس لمستقبل أفضل للغد..علي يد شبابها المشاركين في معجزة التغيير بانضباط ووعي وسلوكيات رائعة..أجبرت العالم علي احترامنا..والاقبال الشديد لاستيعاب دروس ايجابية في المقاومة..تضع شعب مصر في الصدارة مرة أخري..بجوار الثورات العظام..في فرنسا.. وأمريكا ..والهند ..وروسيا..وثورة الوحدة الألمانية..والياسمين في تونس..وما يمكن أن يخرج من رحم الأرض الطيبة..ليحول الكلمات والأقوال إلي حقائق علي الأرض..لاوقت لديهم للفصال..أو الرد علي أقوال المنتفعين والانتهازيين..وجرائم البلطجية أو أفعال معطلة المراكب السايرة..كما يقولون..إنهم يواجهون الفعل برد الفعل المناسب والمحسوب جيدا دون تهوين أو تهويل..مثلا استفادوا من هجوم بلطجية الاربعاء..الذي أسقط الشهداء..بأنه ضاعفوا دائرة الاجراءات عند الدخول إليهم..يطلبون من الشخص بطاقة هويته..والسماح بتفتيشه عند حالة الشك بأدب شديد..يجعلك تتعاطف معهم..نظموا أمور معيشتهم و حياتهم لتصب في نهر الاحتجاج وشرح المطالب..لم تتغير المهمة الجوهرية..ولكن لا تستطيع كذلك اسقاط..أوجه حياتهم المزدهرة..من أغاني وموسيقي وتنافس ابداعي..وابتكارات فنية..وقرارات تحمي الحياة اليومية..لا يمكن اسقاطها من الحسبان..وكذلك التنظيم الرائع الذي يأخذ كل صغيرة..وكبيرة بالحسبان..مثلا يسمحون للامهات الباحثات عن أبنائهن بالتنويه في الاذاعة المحلية ويسعدون للغاية بلم الشمل..تصرفاتهم وسلوكياتهم حضارية للغاية..انهم مثلا يحمون الفتيات المشاركات في مسيرة ميدان التحرير..ويعتبرونهن أخوات لهن..لا يتحدث أحد بسوء عن أخر..الحوار هو السائد بين الجميع..مقيمين وزوارا..لا نشعر بأي فروق طبقية عندما نكون بينهم..نفس الواجب يقوم ابن الغني والفقير..لغة العيون تتحدث..لتنفذ المطلوب..بينما القلوب متآلفة..تؤكد للعالم نسيج شعب مصر العظيم..وتسقط الوهم..بعد أن كان شبح الفتنة الطائفية يطل علي الشارع في أعقاب تفجير الاسكندرية..محمد ومينا وخالد وجورج..فاطمة وتريزا..اخوة علي قلب واحد..هدفهم واحد..التغيير..لتخرج لنا أم الصابرين.من خزانتها..صفحة بيضاء جديدة..جدير بها شعب مصر في ميدان التحرير وفي كل مكان..وهل نستطيع أن ننسي ذلك الشيخ الذي تحدث من القلب حاملا الصليب والقرآن الكريم..
ونستمع كثيرا من العائلات التي تزور ميدان التحرير..والعواجيز من المشاهير والأساتذة والخبراء الذين لبوا نداء الابناء ..للذهاب لانقاذ جريح..وعلاج مصاب..كم هي سعادتهم بما لمسوه..وكيف عادت الروح إلي هذا الشعب..اليوم فقط..وكيف تكون الايجابية والفاعلية..وزهوراً تنبت وسط حقل الابتسامة والتفاؤل..والرد العملي البسيط والمؤثر علي الشائعات التي تطلقها جهات لم تفكر في رهان التغيير..وعلي سبيل المثال ما تردد عن علب الكنتاكي والاموال التي تصل للمتظاهرين..إنهم يدعونك إلي رغيف وقطعة من الجبن هي المتوفرة..والتي تتبرع بها أسر بسيطة..لتكون العيش والملح..ناهيك عن صداقة التعاطف التي كونها هؤلاء الشباب مع أهالي ومحال منطقة التحرير..بل اننا نستطيع أن نؤكد أنه بين الذين حاولوا إزاحتهم وتفريقهم من يتعاطفون في قرارة أنفسهم معهم ومع ثورتهم البريئة..التي استحضروا لها زهرة اللوتس عنوانا ورمزا..وهاهي ايزيس التي تطوف البلاد منذ الاف السنين..تجمع الأعضاء الممزقة من جسد حبيبها وراعي وعيها..تكتشفه في ميدان التحرير..وتدمع عيناها وقلبها مع ملايين زرفوا الدموع ..عندما استمعوا إلي ما يقوله وائل غنيم..وبكاؤه النبيل علي هؤلاء الشهداء..الذين هم شباب مصر علي تشييع الشهداء الذين سقطوا برصاص البلطجة..وقودا للثورة الخضراء ووصل عددهم عند كتابة هذه السطور مائة من أنبل شباب مصر..
ومن المؤكد أن حجاب أم الصابرين..الذي طوقت به عنق كل شاب ينادي بالتغيير من مقر ميدان الحرية..كميدان التحرير..أو من كل أماكن التجمعات الهادرة في أنحاء الوطن ..سيكون حاميا لهم من التفريط في مبادئهم التي وجدنا فيها أنفسنا..بدليل ازدحام الميدان بذوي الحاجات المشروعة والذين مهدوا إلي هذه الانتفاضة باعتصامات منذ أكثر من عام..تم للأسف الالتفاف علي معظمها..وهم أي الشباب..قادرون علي حماية ثورتهم من الدخلاء والانتهازيين والموافقين أصحاب كلمة نعم..لاجهاض أي استجواب..وكذلك من أصحاب الاجندات الخاصة..وقد لمسنا هذا الموقف القوي والشجاع بوضوح..علي لسان من تحدثوا من الشباب..ولها فرصة لنختتم المقال مطالبين بالحفاظ علي أسلوب التعامل الوليد بين الحكومة والناس..بالاضافة للنصريحات الفارقة التي تسقط أي محاولة او نية للتعامل مع المواطن..بفرض ما تريده الحكومة..ويبرز العقد الاجتماعي المأمول..بأن تنصت الحكومة والمجالس المحلية والتشريعية إلي قول المواطن..وأحاديثه وتنهي تماما..مقولة من حقك أن تتحدث ومن حقنا أن نفعل ما نريد..وندعو الله سبحانه وتعالي أن يعوض أم الصابرين عن صبرها خيرا