رفقا بالوطن ياشعب مصر.. لقد نجحت الثورة الشعبية وحققت أهدافها وأذهلت العالم باصرار الشارع المصري علي تحقيق مطالبه فقد قال الخبراء من قبل وصدقوا فيما قالوه "أن الشعب المصري لو خرج من بيته الي الشارع فلن يعود قبل أن يحدث التغيير المطلوب".
بدأت الثورة بمجموعة من الشباب الصاعد الواعد المحب لوطنه لم يكن ينتمي لحزب أو فئة أو توجه أو حتي أجندات خاصة كما حاول البعض أن يروج لهذا المفهوم خرج الشباب متجردا من أية أهواء سياسية أو حزبية ضيقة يطلب إصلاحات إقتصادية وتعديل الأجور وتوفير فرص العمل.. قاطع مظاهرات الشباب حزب الوفد والاخوان وحزب التجمع وأعلنوها صراحة انهم لن يشاركوا في المظاهرات كان الشباب وحدهم في الميدان.. في بداية الثورة ثم جاء التفاعل التلقائي والعفوي من جانب فئات الشعب المختلفة العمال والفلاحين وربات البيوت والاطباء والصحفيين والمحامين والموظفين في مختلف القطاعات العامة والخاصة خرج للانضمام الي المظاهرات المطالبة باسقاط النظام وادخال الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطلوبة.
تحولت ثورة الشباب الي ثورة شعبية بكل المقاييس واثارت ذهول العالم واعجاب كافة الشعوب العربية والاوروبية وحتي في دول امريكا اللاتينية.. اعجبتهم التجربة المصرية وتفاعلوا عمليا معها وخرجوا في مظاهرات مؤيدة للثورة المصرية.. فقد كانت مصر وستظل هي التي تصنع الثورات وتحرك الجماهير وتقود العالم العربي نحو حياة افضل تحترم فيها آدمية وكرامة الانسان.
لم تنطلق الثورة المصرية من فراغ فقد كانت هناك جملة من العوامل والاسباب والمسببات التي ساعدت علي تفجيرها واندلاعها بهذا الشكل المبدع في شوارع القاهرة وكافة المحافظات ساندت الأغلبية الساحقة من الجماهير هذه الثورة بكل ماتملك فقد كان الجميع في الهم والمعاناة سواء بسواء.. وقع الظلم والاستبداد عليهم لم يفرق بين كبير وصغير والكل فقراء ازدادوا فقرا مع وقع وطأة الاسعار المبالغ فيها في السلع والخدمات وكثير من أنواع الضرائب التي تفنن في فرضها وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي علي الناس.
وتركوا الاغنياء والمستغلين والمحتكرين والوزراء والمسئولين يعيثون في الأرض ظلما ونهبا وقهراً للناس.. ويحققون المليارات من الدولارات وكل عملات العالم ويهربونها للخارج.
نعم كانت ثورة شعبية ساهم فيها عدد غير قليل من الكتاب والصحفيين في الدق علي رأس النظام السابق بكشف الكثير من المخالفات وتوجيه العديد من الانتقادات للحكومة السابقة والوزراء والمسئولين.
فجر الكتاب والصحفيون العديد من القضايا الهامة والتي فاحت رائحتها من فساد واستغلال وانتهاك لحرمات الناس.
ساهمت المقالات في فتح افاق جديدة وتعريف الشباب والمواطنين بمختلف فئاتهم بما يحدث من وراء ستار لنظام فسد بمن يملكون القرار والامر والنهي فيه.. حركت فكر الشباب واثارت غضبهم فملأت النفوس بالقهر والتصميم علي اخذ الثأر واسقاط النظام.
تلاحم الشعب بمختلف طبقاته كان واضحا تماما وتلاصق ابناء الامة وحسن معاملتهم لبعضهم البعض وتنامي روح المسئولية داخل نفوسهم تجاه الوطن وممتلكات الشعب.. كانت نموذجا حيا يحتذي به لدي شعوب العالم في كل مكان.
حتي السيدات المسنات في البيوت لاحقن الشباب والمتظاهرين بالدعوات الصالحات بأن ينجحوا فيما هم ماضون من أجله.. الكل كان علي قلب رجل واحد.. لهذا وذاك وبتوفيق من الله سبحانه وتعالي كان النجاح وكان الانتصار وكانت لحظة الفرح التي طغت علي كل انسان يعيش فوق أرض مصر الطيبة الصابرة.
المساندة الأقوي والأهم كانت من رجال القوات المسلحة الذين لم يطلق أحدهم طلقة واحدة في صدر مواطن خرج للتظاهر.. قدموا صورة رائعة لتلاحم الشعب والجيش وكانوا الاكثر تعاطفا مع المتظاهرين.. قاموا بجهد جبار في الحفاظ علي مقدرات الوطن ومكتسباته وعلي البنية الاساسية والمباني الحيوية.. كل ذلك كان بكل ادب وحزم واحترام لمشاعر الناس.
هكذا هي مصر دائما في المحن والازمات تتلاحم وتتماسك وتصد الشر والعدوان بيد واحد وقلب واحده وإرادة وعزيمة قوية.
لكن .. بدأت ما أكتب بعبارة "رفقا بالوطن ياشعب مصر".. نعم.. بعد أن سقط النظام وبدأت ملامح نظام جديد تتضح.. فإنه قد بدي مؤخرا لنا جميعا اطلاق اتهامات بالتخوين والسعي لتصفية الحساب بين البعض والبعض الآخر.. بدأت ملامحها في ميدان التحرير عندما كان البعض يطردون من الميدان من ليس معهم أو من سبق ان قال رأيا مخالفا لهم في صحيفة أو عبر شاشة تليفزيونية محلية أو فضائية لم يكن تصرفا سليما خاصة وان الثورة تحتاج لكل الناس بلا استثناء المعارضين ومن كانوا من المؤيدين حتي لا تثير الغضب عليها.
كان هذا الموقف ضد بعض الفنانين والمطربين والصحفيين.. والذي نالوا نصيبا كبيرا من الغضب والسخط والهتاف ضدهم.. ولا أفهم هذا الموقف خاصة وأن هناك قاعدة تقول ان الكل أبرياء حتي يثبت العكس.. والحقيقة ان اتهامات التخوين والمطالبة بتصفية الحساب مع عدد من كبار الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف القومية.. هي اتهامات غير مبنية علي أساس سوي ما كانوا يكتبونه لصالح النظام السابق.. وقد كانوا مجبرين في بعض الأحيان علي اتباع هذا الخط باعتبار ان الصحف القومية هي صحف مملوكة للدولة ترعاها وتختار قيادتها وتطالبها بمساندة النظام ولكن الحقيقة أيضا انه رغم كل ذلك فقد ترك لنا رئيس التحرير حرية ما نكتب وننتقد بشدة الحكومة والنظام والمسئولين وتشهد تيارات مبعثرة جانبا كبيرا من هذا النقد الذي سبب الكثير من المشاكل واحتجاج المسئولين وغضبهم مما نكتبه ولكنه كان يحتوي هذه المشاكل وتلك الاعتراضات ليؤمن لنا استمرارية ما نكتبه من نقد وانتقاد وتوجيه لأنظار الحكومة نحو حل مشاكل الجماهير والاهتمام بهم.
لست مع تصفية الحساب. ومواجهة هذا أو ذاك أو المطالبة بالتخلص من البعض أوالهتاف ضدهم أو جمع توقيعات للمطالبة برحيلهم فقد تغيرت صيغة الخطاب في الصحف القومية تماما طبقا للمتغيرات الحادثة الآن في المجتمع وأصبحت مسايرة تماما ومساندة لغاية للثورة ونتائجها.
حتي في التليفزيون الحكومي والذي قدم نوعا من المناقشات والصور لما يحدث في مصر بشكل مخز للغاية.. أقول ان المذيعين والمذيعات هم أدوات كانوا ينفذون ما يطلب منهم فقط حتي ولو كان مخالفا للحال الذي نحن فيه فلم يكونوا يملكون غير التنفيذ وإلا كان مصيرهم التشرد أو السجن. لذا فان من يستحق العقاب هو ذلك الذي أمرهم بتزييف الحقائق ونشر الأكاذيب وهو معروف في هذه الحالة وزير الإعلام أنس الفقي في التليفزيون وصفوت الشريف في الصحف القومية.
نريد ان تبدأ مرحلة جديدة خالية من الضغائن والكراهية والتخوين والقاء التهم جزافا.. فلسنا في حاجة لأن نتعارك ونتشابك وأقول لهؤلاء وهؤلاء.. هل سمعتم ما قاله الشاب وائل غنيم وهو صاحب فكرة قيام الثورة وقالوا انه مفجر ثورة الشباب وصاحب رصيد جماهيري كبير من الحب والتقدير والاحترام.. لقد قال علي صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.. بعد ان ألقي مبارك خطاب نقل صلاحياته إلي نائبه عمر سليمان قال غنيم بالحرف الواحد "لا أعرف ماذا أفعل بالضبط لأول مرة اعجز عن اتخاذ قرار أخشي ان أقول للشباب المتظاهرين في ميدان التحرير عودوا إلي منازلكم بعد ان تنازل مبارك عن صلاحياته.. فيتهمني الجميع بالخيانة والعمالة".
نعم حتي مفجر الثورة خاف من اتهامات الخيانة والعمالة التي يوزعها الناس جزافا لكل من يخالفهم الرأي ويتحدث بصوت العقل والحكمة.
واذا كان هذا الاتهام يمكن ان يلاحق وائل غنيم وهو الاسم الأبرز في ثورة الشباب فما بالك بالآخرين والكل يخشي أن تلصق به هذه التهمة التي تقوم علي غير منطق أو عقل.
لا أحد يخون الوطن ولا أحد متهم بالعمالة.. كلنا ساندنا الثورة بشكل أو بآخر البعض بالهتاف والبعض بالكلفة والآخرون بالدعاء والمساندة كلنا اصحاب الثورة.. لا فضل لأحد علي أحد وكلنا يجب ان نبقي يدا واحدة مرة أخري في المرحلة القادمة لأنها بالتأكيد أكثر صعوبة من المرحلة السابقة.. أعود فأكرر "رفقا بالوطن يا شعب مصر.. فأمامنا تحديات داخلية وخارجية كبيرة للغاية ولنترك الاتهامات جانبا.. ولنركز في العمل والانتاج ورفع شأن الوطن الذي هو وطننا جميعا