طاقة جديدة للكتابة
بقلم محمد البرغوثى ١٦/ ٢/ ٢٠١١
هذا أول مقال أكتبه خلال حياتى المهنية كلها، فى غياب نظام الرئيس حسنى مبارك.. لقد كتبت مئات المقالات وعشرات التحقيقات والحوارات وآلاف الأخبار وراجعت آلاف الصفحات فى العديد من الصحف المصرية والعربية منذ عام ١٩٨٨، فى ظل مناخ سياسى مقبض وفاسد لازمنى منذ البدء وحتى سقوط الرئيس مساء ١١ فبراير الجارى.. ولم يحدث ولو لمرة واحدة فى حياتى المهنية أن كتبت جملة واحدة تحمل إشادة صريحة أو ضمنية بأى شخص من رموز هذا النظام.
منذ البدء وحتى الآن اخترت الوقوف ضد الرئيس مبارك رأساً، ولم أصدق أبداً الحكايات التافهة التى أشاعها المعارضون المزيفون عن أن الرئيس كان على المستوى الشخصى بريئاً من الفساد والظلم والتخريب، وأن المحيطين به هم الذين ملأوا الأرض فساداً ونهباً من خلف ظهره.. بل كنت واثقا بأن إحدى أهم أدوات استمرار الرئيس فى الحكم إلى الأبد وتوريث الحكم لابنه، هى توريط كل المحيطين به فى ارتكاب جرائم نهب وسلب وتخريب، حتى تصبح مصائرهم معلقة باستمرار الرئيس ونجله فى الحكم.
أعرف وزيراً سابقاً اكتشف النظام أنه ليس فاسداً، فتشكلت على الفور كتيبة إفساد ظلت تعمل لمدة عام كامل، حتى تمكنت من توريط ابن هذا الوزير فى مفاسد رهيبة، وأعرف رئيس وزراء سابقاً كان بطبعه محصنا ضد الفساد، ولكن كتائب الإفساد تمكنت من توريط أبنائه فى صفقات فاسدة، وأعرف وزيرا لم يتمكنوا من توريط أحد أقاربه فى الفساد، فتم تكليف جهاز رقابى فاسد بتلفيق قضية ضخمة ضده، شغلت الرأى العام أكثر من ١٥ سنة، وأعرف مسؤولين كباراً رفضوا الانخراط فى كتائب الفساد، فقام جهاز أمن الدولة بالتلصص على حياتهم الخاصة.. وفى أحيان كثيرة تم التلصص على حياة بناتهم وزوجاتهم، وبعد الوصول إلى «مستمسكات» شخصية، رضخ هؤلاء المسؤولون ووافقوا مرغمين على تمرير صفقات الأنجال والأصهار والشركاء.
أعرف أيضا- ويعرف كل من يعمل فى مهنة الصحافة - أن بيننا معارضين، هم فى الأصل أناس منحرفون نفسياً وأخلاقياً، كلفهم النظام المنهار بالعمل فى صفوف المعارضة، ومنحهم تراخيص إصدار صحف، وتركهم يشتمون الوزراء ورؤساء الوزارات، مع تحذير صارم بعدم الاقتراب من دوائر محددة داخل نظام الحكم، أهمها دائرة الرئيس وزوجته وأبنائه وأصهاره..
ومن بينها دائرة صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، رئيس مجلس الشورى، الذى يتبعه المجلس الأعلى للصحافة. ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن قام أحدهم بتوجيه أدنى نقد للرئيس وعائلته أو لصفوت الشريف. والمثير أن هؤلاء المعارضين قاموا بدور شديد المكر فى محاولة الالتفاف على الثورة، وفى اللحظة التى شعروا فيها بأن النظام على وشك السقوط.. اعتلوا موجة الثورة وأصبحوا من المتحدثين باسمها!
لقد رحل مبارك، ولكن هؤلاء مازالوا بيننا، أحدهم يتقدم الآن ببلاغات يومية ضد مسؤولين فى نظام مبارك.. يتهمهم فيها بالتربح والاستيلاء على المال العام.. وكلنا يعرف أنه كدّس أموالاً طائلة وتربح من المعارضة أكثر مما تربح كُتاب السلطة من تأييد النظام المنهار.
لفد فرحت بانهيار نظام مبارك.. ولكن استمرار المعارضين المزيفين فى صدارة المشهد الثورى يعكر صفاء هذا الفرح.. ولكنه - أيضا - يمنحنى طاقة جديدة للكتابة، افتقدتها بعد سقوط النظام.. ومن الآن فصاعداً سأظل خلف هؤلاء حتى تكتمل الفرحة.. وساعتها سأتوقف عن الكتابة الصحفية وأعود فلاحا أزرع الأرض وأكتب الشعر.
elbrghoty@yahoo.com 
