انتصرت إرادة الشعب المصري ، بفضل الله وعونه وعزته ، وانكسر الديكتاتور المتعجرف الذي أهان مصر وشعبها ومكانتها طوال ثلاثين عاما ، وعلى الرغم من كل الحيل والحروب النفسية والأمنية والقمعية التي مارسها في الأيام الأخيرة من الثورة بقصد إحباط المصريين وكسر إرادتهم وإحساسهم بالعجز عن هزيمته وإزالة كابوسه ، حتى خطابه الأخير الذي ألقاه أول أمس ولوح فيه ببقائه وأنه سيفعل ويفعل في الوقت الذي كان الملايين ينتظرون خطاب التنحي ، رغم كل تلك الحيل والضغوط إلا أن إصرار الثورة وعزيمتها وثقتها بالله وبطاقات الصمود المتفجرة في شبابها كانت أكبر من مكره وأكبر من عناده الذي تحطم في النهاية وخرج غير مأسوف عليه .
الثورة المصرية المهيبة هي حدث غير مسبوق في التاريخ العربي الحديث ، لأنها ثورة شعب حقيقية ، وليست صراع جنرالات أو انقلابات عسكر ، وهو ما يعطي الجميع الأمل في تحولها إلى مصدر إلهام لكل الشعوب الصابرة والتي تعاني التهميش والقهر مثلنا في المنطقة العربية ، وتمدد تلك الروح الوثابة والجسورة والطامحة في الحرية والكرامة يمكن أن تحول بلادنا وأمتنا إلى فضاء الحرية والعدل والكرامة والإنسانية ، محفوفة بقيم هذا الدين العظيم .
التحية واجبة للشعب الجميل الرائع الذي قدم ملحمة إنسانية اعتبرها رئيس أكبر دولة في العالم باراك أوباما في كلمته أمس أنها "ألهمت العالم" بإنسانيتها وسلميتها ، ويحكي التفاصيل الدقيقة التي سردها في خطابه عن سلوك الشباب وتضامنهم وأخلاقياتهم أثناء التظاهرات الاحتجاجية رغم ما قدموه من شهداء وجرحى ، ويقول أن الثورة المصرية غيرت صورة العربي المسلم في مخيلة المواطن الأمريكي ، لم يكن هذا الجيل المصري الفتي بحاجة إلى من يعطيه دروسا نظرية في التسامح أو الحوار أو احترام الخلاف أو التجرد أمام القيم السامية المشتركة ، لأن الجميع كانوا يمارسون ذلك سلوكا يوميا في الميادين والشوارع وخاصة ميدان التحرير .
التحية أيضا واجبة للجيش المصري العظيم الذي أدار الأزمة بمستوي من الحكمة والأخلاق الوطنية والإنسانية النبيلة التي أذهلت العالم ، وكشفت عن أن الجيش المصري يمتلك أخلاقيات وعقيدة عسكرية ببعد إنساني يعز مثيلها في أي مؤسسة عسكرية اليوم حتى في العالم الأول إن صح التعبير ، أعلن الجيش المصري منذ البداية أنه لن يلوث يده بدم الشعب ، ولن يطلق الرصاص في صدور المواطنين ، ثم أعلن بعد ذلك أنه يؤمن بالمطالب المشروعة للشعب ، في الوقت الذي كان يقوم فيه بحماية الأمن الوطني بعد هزيمة وانكسار قوات الشرطة التي أعدها مبارك خصيصا لقمع الاحتجاجات وسحق أي مظاهرات سلمية تندد بسياساته ، ومع تطور الأحداث رفض الجيش أن يقوم بانقلاب تقليدي ، وترك الرئيس المتعجرف والعنيد يخوض مواجهته مع شعبه ، حتى اضطره الشعب في النهاية إلى الرحيل ، ليعلن الجيش أنه يضمن تحقيق كل المطالب المشروعة للثورة الشعبية ، ثم يعلن بوضوح عقب توليه مسؤولية السلطة أنه لن يكون بديلا عن الحكم المدني الذي يرتضيه الشعب ، هذا جيش عظيم وحضاري يفخر به كل مصري بل يفخر به كل عربي ومسلم .
والتحية واجبة أيضا لكل عربي ومسلم من أهلنا وإخواننا وأصدقائنا في السعودية والكويت وفلسطين واليمن وقطر والسودان والإمارات والعراق ولبنان وأوربا وأمريكا واستراليا الذين لم تنقطع اتصالاتهم الهاتفية أو رسائلهم التي تتلهف على أخبار الثورة وكأنهم يعيشون معنا في ميدان التحرير يقتلهم القلق وتخرج من قلوبهم أصدق الدعوات وأحرها بأن ينصر الله أهل مصر وشعبها ، إنهم ربما لم يدركوا أن اتصالاتهم التي لم تنقطع يوميا وحماسهم كان يزيد من حماسنا ويمدنا بطاقات متجددة ، ونشعر أننا نخوض معركة كل عربي ومسلم ضد الطغيان والظلم والاستكبار والفساد .
أكتب لكم الآن وأنا أعيش ليلة عيد ، عيد لم أشهد مثل فرحته في حياتي ، أتحرك من مكاني وأغير بعض أحوالي حتى أتيقن من أني لست في حلم ، وأن ما أعيشه حقيقة واقعة ، فالحمد لله أولا وآخرا ، وبورك هذا الشعب العظيم وبوركت هذه الأمة الصبورة المعطاءة ، ورحم الله الشهداء ، وسيكون لنا ولكم معهم ومع أسرهم موقف واجب يأتي قريبا بإذن الله ، وغدا نعيش أو يعيش أبناؤنا حياة أفضل وأياما أسعد ، بإذن الله