ها هى مصر تعود لنا وإلينا، أو نعود لها وإليها، لا يهم من عاد إلى من، لأن المهم هو أن جمعتنا ثورة وفورة شباب الخامس والعشرين من يناير، جمعتنا بعد طول غياب، ورغبة جامحة فى ألا نفترق ثانية، التقينا لنبقى ولنحتل مكانتنا التى تليق بنا وبمصرنا الرائدة، ولنكون محط أنظار وإعجاب وتقدير واحترام الجميع، ومن هنا يصبح لزاماً علينا أن نبدأ ونحن نعى أين نقف وماذا نريد وما المهم وما الأهم وما هو التكتيكى وما هو الاستراتيجى مما يشغلنا؟..
لذا يمكننا أن نبدأ بترتيب البيت من الداخل حيث بناء الثقة، الثقة التى تقوم على الوضوح والمصارحة والمكاشفة، الثقة بين أبناء البيت المصرى بين الأجيال المختلفة، بين الأحزاب المختلفة بين الرئيس والمرؤوس بين طبقات المجتمع وفئاته، وهنا يستظل الجميع بغطاء الثقة الذى يقود إلى كل خير، ثقة لا تعرف التهوين ولا التهويل ولا تمييز إلا بقدر العطاء، ثقة العارف متى يكون الثواب ومتى يكون العقاب، وإلى جانب بناء الثقة نحن بحاجة إلى منح الأيدى الشابة فرصة حتى تعرق وتجد وتنتج وتبنى لها مكاناً تحت الشمس، فرص عمل حقيقية منتجة كماً وكيفاً، تمتص آلاف وملايين الأيدى، تلبى حاجة السوق من المنتجات وتفيض للمنافسة خارج الحدود وبمواصفات تتحدى..
نحن بحاجة إلى ما يميزنا عن الغير، ويحافظ على تميزنا، بحاجة إلى تأصيل ما يقيم المجتمع من قيم ومبادئ وسمات وأعراف تخص وتنبع من منطقتنا ومعتقداتنا وثقافتنا لتظل هويتنا متفردة ولا نختفى أو نذوب بفعل غزو ثقافات دخيلة تفتت شخصيتنا وتماسكنا الذى نباهى به، وتلك وظيفة الإعلام والتعليم، على أن تكون نظرتنا إلى المستقبل البعيد لا أن ننظر تحت أقدامنا، وعلى أن تكون الأجيال القادمة ماثلة أمام عيوننا!
وعلى درب بناء مصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير، نحن بحاجة ماسة إلى وصل ما انقطع، وتصويب الأخطاء فيما بين مصرنا والدول الشقيقة والصديقة، بناء علاقات تحكمها مصالح مصر أولاً فى حدود الأعراف الدولية، لا أهواء وأمزجة أفراد بعينهم، نحن بحاجة ماسة إلى أن نكون فاعلين فى محيطنا العربى ثم الإسلامى ثم الأفريقى ثم العالمى، علاقات الند مع الغير لا علاقة التابع بالمتبوع، فلنبحث عن مكان مصر الستينيات الذى كان قبلة الكثيرين، مصر التى لا غنى لها عن محيطها العربى، ولا غنى للعرب عنها، مصر التى إن قدر الإله مماتها، لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدها.. نحن بحاجة إلى تأصيل احترام الفرد واحترام الرأى واحترام الفكرة واحترام كل يد تبنى وإلى تكريم الأعلام الذين يرفعون هامة مصر بين الدول، وإلى قطع كل يد تعبث بأمن وأمان وثروة ومستقبل هذا البلد، الذى يستحق أن نضحى من أجله بكل غال ونفيس.