: خالد الكركي
يا صاحبيّ...
ما الذي يوقظ هذا الصوت في ليل الجنوب!
وما الذي يوقد نار التذكر وحزن الصبا!
حين لا شمس تطلع ولا فجر يلوح
وحين تنادي علي الصبّاح من اول الجرح الي آخر الحنين
امس كان جمر الغضا نائما، فقد غفا مالك بن الريب
والندي الذي بلل يديه هاجر الي ورق آخر،
وأنت تجر وراءك عمرا من الضباب،
ودفاتر بأسماء العشاق والطغاة،
وقميصا قدّ من قبل،
وأياما من غيم ودخان،
فلماذا تنادي:
يا صاحبي قفا...!
والزمان عقيم،
والوطن الذي لو شغلت بالخلد عنه
أكفه محناة بالدم..
وطنك الممتد بين مأرب وغرناطة!
يقرأ كتاب الأسي وينشد
لزمان الأسي في الأندلس
لسبعة صفاح يمانية تكسرت بين يدي ابن الوليد في مؤتة،
لفتي غارق في نشوة النصر صباح عين جالوت،
وللدم المقدس في كفيّ عز الدين القسام...
يا صاحبي قفا،
فتلك هي علامات الطريق الي مؤتة، .... الي الجنوب،
والجنوب سرج وجمر، وبهاء: اولها حلب وآخرها في البصرة...
عند رايات السياب الكبير
والجنوب، براءة الروح
والذئب من دم يوسف العربي،
وعلو عروة بن الورد
الجنوب: زمن قبل الطوفان،
وهوي غساني يوم كان بردي يصفق بالرحيق السلسل
ووجد جعفري في اول ضوء مدته الجزيرة خيلا ورسالة
لتحرير بلاد العرب من الطغاة والغزاة،
وغد مثقل: الوعد تزينه ألف نجمة مضيئة
تعلن ان خراب الدنيا قد تم علي أيدي الغزاة الامريكان...
ہہہ
... يا صاحبيّ قفا.. (ولا اقول نبكِ..)
أفلا تسمعان...
انها الريح تبحث عن منفي في الزمن الخراب!
انه نذرها الذي توفي به ان لا تهب
صبا الا يوم تحرير العراق وفلسطين..
انها الريح، ام الاعاصير التي
تجتاح الخوف في رابعة النهار،
يا صاحبي قفا.. (وأقول نبكِ)
للنخيل وكربلاء، والحسين الشاهد والشهيد،
لزمن يتخاطف فيه القتلة قصائد المتنبي
وينثرون دماءها وهو يصيح من جرحه الراعف:
ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت
علي عينه حتي يري صدقها كذبا
لوجه فتي في البصرة يصعد شهيدا وهو يقرأ في دفتره: كان بالبصرة رجل يدعي..
ولم يدر بخلده ان هذا الرجل سيكون قاتلا امريكيا.
ہہہ
يا صاحبي،
ها أنا احن الي اهلي وأهوي لقاءهم ،
وامس ناح الحمام الورق علي شرفات عمان،
فقلت هذا حنيني الي وجه أمي،
الي السيدة التي ظلت تقسم الخبز بين اطفالها وبين اطفال فلسطين،
والتي كانت كفاها تخضلان بالحنين كلما ذكرت القدس او دمشق او بغداد.
تلك هي ساعة رحيلها،
وأنا: تغولت بيّ الارض فرط الحزن وانقطع الظهر ،
وما تزال حمي الفراق معي، تعاودني:
كحمي الربع او هي اثقل ،
وأمس غشيتني عساكر الحزن علي أمي
وغشيتني يوم اجتاح المغول بغداد...
ہہہ
فيا صاحبيّ،
هذا زمان الجوع،
فهل ابصرتما ابا ذر في الربذة!
ذاك الوارد علي نبع الحق
من اول الدرب الي منتهاه،
والجائعون حوله تحت عباءات الظلم يرتعدون
ذاك القائل لا.. في وجه الف نعم...
ذاك العلو الصاخب في الحياة وفي الممات..
ذاك الذي يشبه أبي في الفقر،
أبي الذي ما انقطع حنينه الي زمان
ذاك الثائر العظيم.
يا صاحبيّ
من يسرج عند حدود الصبر جواد الغضب الدامي
يحدق في عين الشمس
ويعلن ان السيف علامة،
وان النهر مدي وحياة،
من يقرأ فصلا من صفحات الفرج بعيد الشدة،
ويقرأ عند ضريح أبي ذر،
وينادي:
انهض يا شيخ الثوار...
فهذا زمن ينادي فيه الجلادون،
.... ويا وجع الفقراء تدفق
وتهجا اسم أبي ذر،
وتمدد عبر عروق الزمن اليابس فيض غضب
لا تتجمل بالصبر،
ولا تنسي...
تتسع حدود النار، إن زيدت زيتا وحطب.
ويا أيها الفقراء،
لقد ظن الاخرون انكم اموات،
ولم يروا عنقاءكم تصعد نحو عين الشمس
وتعود باهرة الحياة من جديد،
ان لكم حقا في الحرية والخبز والشهادة،
فاصغوا الي صوت أبي ذر
لا الي غربان الخراب من ادعياء الكتابة
وشهود الزور...
انهم مهزومون قبل ان يولدوا، ولا صخرة
تعصمهم من الطوفان الآتي
باسم الحرية والحياة.
ہہہ
فيا صاحبيّ
الصباح قريب،
ولنا موعد مع اللوعة والجنون،
ولنا حلم يكتمل في الفجر
وقد ترديه طعنة غادرة!
فكيف تبوح الحناجر بالسر
والريح تنثر احرفها الغاضبة!
فمن يرسم الحلم دائرة كالرغيف!
وينادي: ألا ايها الجائعون تعالوا،
وحين يجيئون،
تلبس الشمس زينتها لهم،
ويبدأ زمن غامض سره مخبأ في غيابة جب بعيد!
زمن يلم شظايانا بعد ان تفرقنا أيدي سبأ!
فسلام علي النخبة التي تحرس الحلم
وتعدل مزاج الأمة وحركة التاريخ
حين لا يظل بين رجالها عاجز او خائن او جبان!
زمن الطليعة التي لا تقبل ان تكون بطانة للفاسدين والطغاة..
الطليعة التي تنأي عن التهريج والاحباء وراء العدو، او التي هي معه..
فليطلع زمن التغيير عذبا مثل الحنين،
ويهيأ مثل سحابة ممطرة، وحرا مثل عاشق مجنون.. وطاهرا مثل دم شهيد!
انه الصوت القادم من اجيال الامة، فهل يكونون شمسها وخطاها ! وهل تأنس بهم من وحشتها، وهم يردون اليها روحها وعطرها وصباها! ويهزون جذوع نخلها حتي تساقط عليهم نجوما وغيما يداوي جراحها وأساها!
فيا صاحبيّ،
نفترق الان،
وحين يجتاحنا الألم انادي عليكما:
خليلي هبا طالما قد رقدتما ،
واقرأ في عتمة الليل
ان الدروب الي القدس/بغداد/
تبدأ رؤية تتألق مثل الضحي بين عيني شهيد..
صوت
يا صاحبيّ!
احقا انها وسعت
اعداءها!
وجفت ابناءها الدار
لو انها حوصرت حتي النهاية،
حتي الموت، لو سحبت
علي مفاتنها غلالة من مياه النيل
واضطجعت في قاعة،
لو سفتها الريح فانطمرت
في الرمل واندلعت
من كل وردة جرح وردة
فالمدي عشب ونوار.............[center]