الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين. لقد شاهد الناس وسمعوا أخبار المجازر الشنيعة المفجعة التي أقْدَمت عليها جهات أمنية وأخرى متصلة بها ومدعومة منها، والتي راح ضَحِيّتها المئات من الأبرياء مِمّن نحتسبهم عند الله من الشهداء الصابرين، والآلاف من الجرحى خاصةً في المنطقة الشرقية من ليبيا، في بنغازي والبيضاء ودرنة وأجدابيا وطبرق والمرج والمنطقة الغربية في مدينة الزنتان والجبل الغربي والزاوية ومصراتة وبعض المناطق في طرابلس الكبرى والتي شهدت اعتصامًا ضخمًا أمام المحكمة العليا.
إنّ الحاكم الذي يقتل شعبه ليس جديرًا بهم، ورحم الله عمر بن الخطاب إذ يقول: ((إنّي لم أرسل عُمّالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن ليعلموكم دينكم ويقسموا فيكم فيئكم)).
والقتل جريمة عُظْمَى، وعدوان كبير، خاصة إذا صدر بحقّ أبرياء يريدون التعبير عن مطالبهم المشروعة بالطرق السلمية، وفي دول تعترف نظريًا بأن شرعيتها ووجودها مكتسبةٌ من الشعب، وأن الجماهير هي صاحبة الحل والعقد، فمن حقّ هذه الجماهير أن تحتجَّ وأن تبلِّغ صوتها، ومواجهة هذه المطالب والتحركات بالبلطجية، وإطلاق عصابات المرتزقة، وقطع المؤن والبنزين عن المدن لهو تعامل بأساليب عف عنها الزمان.
وإن من شأن سفك الدماء أن يصنع ثأراً لدى الشعوب يصعب نسيانه.
وإنّني أكتب هذه الحروف وقلبي مليء بالحزن على هذه الأرواح الطاهرة البريئة التي صعدت إلى ربها تشكو ظلم الظالمين، وقهر المتسلطين، وصمت القادرين.
على أنّ ما جرَى أصبح مكشوفًا أمام العالم كله، ورآه المسلمون والعرب على المواقع والقنوات برغم التعتيم والتكتيم الذي زاد من قتامة الصورة وخطورتها.
ومن الصراحة أن أقول: لقد بعثت في فترة مضت وقبل هذه الأحداث إلى بعض مِمّن أحسبهم عقلاء القوم أدعوهم إلى الاستعجال بإعلان الإصلاحات الضرورية بشجاعة ودون تردّد أو حسابات عقيمة، وإعلان الدستور الجديد، والإذن بالممارسة السياسية والمنافسة الشريفة، وإعطاء الحقوق لأهلها، والسماح بالتعبير الحر الرشيد، وفصل السلطات، ومحاربة الفساد المالي والإداري، ومعالجة البطالة المرتفعة، والشفافية في الأداء الحكومي، وحذرتُهُم من عواقب انفجار وشيك لَمَسْت آثاره في هذا الشعب العربي العريق حين زرته، ولكن كما قيل!
أمرتُهم أمري بمنعرج اللِّوى فلم يستبينوا النصح إلاّ ضحَى الغدِ
وإنَّ سنة الله ماضية، ومن لا يعقلون هذه السنة سوف تطحنهم طحنًا، ويقعون في شر أعمالهم طال الزمن أم قصر، وكما قال ربنا سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].
إنني أدعو المسلمين كافة إلى التعامل بإيجابية واهتمام مع قضية إخوانهم في ليبيا، والتفاعل مع أحداثها، وأن يصدقوا ربهم تعالى في الدعوات الحارة، خاصة في أوقات الإجابة و الهزيع الأخير من الليل، وبروح صادقة واثقة، وأن يلهجوا بأسمائه الحسنى جل وتعالى أن يحفظهم ويسدِّد خطاهم ويكشف كربهم وينتصر لهم، إنه نعم المولى ونعم النصير