قد يفهم المرء ـ دون أن يعذر ـ أقول قد يفهم المرء ما فعلته النخب الفاسدة البائدة من خزايا ودنايا ـ تأنف من الوقوع فيها البهائم ـ فى محاولة مستميتة لإجهاض الثورة، لأن هذه الثورة ببساطة تعنى لهم النهاية والفضيحة والسجن والعار، لذلك فالنخب التى كانت تستفيد من النظام البائد، كانت أفعالها مفهومة، ذلك أن بقاء النظام كان بالنسبة لها هو معركة وجود، كل أطراف المعركة من الجانبين كانت أفعالهم مبررة، إلا طرفين، رجال الشرطة ـ من غير الرتب الكبيرة ـ الذين قمعوا الثوار، والبلطجية ، هاتان الطائفتان هما الطائفتان الوحيدتان اللتان لم يكن لنذالتهما مبررات، الشرطي الذى كان يطلق النار بيده على أخيه فى الوطن دون أن يكون مضطراً لذلك، فهو مطحون مثل الثوار، مظلوم مثلهم، و منهوب، يعيش حياة بائسة، ومن مصلحته أن يذهب النظام إلى الجحيم ، ورغم ذلك كان من النذالة إلى الدرجة التى جعلته يطعن شباباً يصنعون له ولأولاده فجراً جديداً من رحم الليل البهيم الحالك، وبدلاً من أن ينضم إليهم، ويؤازرهم، ويدافع عنهم، يفعل ذلك وهو رجل الأمن وليس رجل النظام، يفعل ذلك وهو الذى يعيش بينهم، فيهم أصدقائه وأقربائه وجيرانه وأصهاره وأرحامه، بدلاً من أن يدافع عنهم ضد نظام لا يستفيد هو من وجوده، إذا به وبنذالة وخسة يطعن الثوار، ويطلق عليهم رصاصه، ولا يعلم هذا النذل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما» رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر، فإذا أصاب دماً حراماً فقد باء بقول الله عز وجل {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً} [النساء:93] فأين تذهب يا قاتل المؤمن؟
وإن أفلتَّ من عقوبة الدنيا فماذا تفعل فى عقوبة الآخرة : جهنم خالداً فيها وغضب الله عليك ولعنك وأعد لك عذاباً عظيماً، ما أتعسك، وما أخسرك، كيف ستنام ودموع الأمهات الثكالى، ودعاء الآباء المكلومين تطاردك ؟ لماذا قتلت ولدى ؟ لماذا قتلت زوجي ؟ لماذا قتلت أبى ؟ لماذا قتلت أخي ؟
كانوا يصنعون لك ولهم ولنا غداً أفضل، حقاً ، شرُ الناس من يبيع آخرته بدنياه، وشرُُ منه من يبيع آخرته بدنيا غيره !!
نذل آخر، ذلك البلطجي الحقير راكب الجمل والبغل والحمار الذى خرج يطعن الشرفاء ويروعهم حتى كاد أن يئد أجمل لحظة فى تاريخ مصر بعد الفتح الإسلامي، ذلك النذل المطحون الذى لا يكاد يجد قوت يومه والذى يعيش تحت خط الفقر بسبب النظام الذى خرج يدافع عنه، هذا النذل كاد أن يجهض أعظم ثورة فى التاريخ وجعل مصر تقضى يوماً مرعباً ولكن الله سلم، ومثل هذا النذل،نذل من نفس الفصيلة، ذاك الذى خرج فى أول الثورة يتهجم على بيوت الثوار ويتعرض لأعراضهم وأموالهم وحرماتهم لأجل دراهم قليلة يشترى به سيجارة محشوة، أو شريط دواء ينسى به ما فعله به النظام الجاثم على صدر البلد، ومع ذلك خرج هذا النذل يدافع عنه .
هؤلاء الأنذال الثلاثة هم نفسهم الذين زوروا الانتخابات، وزيفوا إرادة الشعب، وهؤلاء الأنذال هم الذين احتمى بهم النظام طوال هذه السنوات، ولو رفعوا أيديهم عنه كما أجبروا على رفعها لسقط دون مقاومة كما سقط اليوم.
أنا على استعداد أن أسامح كل من أساء إلا ثلاثة : الشرطي الذى قتل وأصاب وروع الثوار ، والبلطجي الذى ذهب إلى بيوتهم ليطعنهم فى ظهورهم، والإعلامي الحقير الذى سبح بحمد النظام
ملاحظات المشرف :
طبعا التعميم لا يجوز، وكل الفئات فيها الخير وفيها الشر، والشرطة مثلها مثل غيرها، والمقصودون في المقال هم الفئة التي استجابت لداعي الفتنة وقتلوا وجرحوا وباعت شرفها مقابل فتات وبدعاوى تنفيذ ما يسمى بالأوامر.
