المحكمة الجنائية الدولية في انتظار السيد الرئيسإذا قتلت شخصا فمن السهل أن تدان ويقتص منك القانون .. ولكن إذا قتلت ألف شخص فمن السهل أن تنجو بفعلتك
هذا هو المبدأ الذي قامت المحكمة الجنائية الدولية لكي تنقضه وتجعل من حق الشعوب أن تحاكم الجلادين الذين يمارسون القتل الجماعي والجرائم ضد الإنسانية
الجرائم ضد الإنسانية تعني بالتحديد أي فعل من الأفعال المحضورة والمحددة في نظام روما متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب بصرف النظر عن ارتكابها وقت "السلامِ" أَو الحرب .. كما أن قانون المحكمة الجنائية الدولية لا ينظر لحصانة الأشخاص السياسية التي قد يكتسبونها بحكم مناصبهم أو بحكم القوانين المحلية في دولهم .. فحتى لو كان مرتكب هذه الجريمة يحمل منصب رئيس الجمهورية فيجوز اتخذا الإجراءات القانونية ضد واتهامه حتى لو بقى في منصبه والمثال الأبرز على هذه الحالة هي الرئيس السوداني عمر البشير.
وتدخل جريمة القتل العمد للمتظاهرين عبر إطلاق الرصاص الحي عليهم ودهسهم بسيارات الشرطة ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية طالما أنها تمت في إطار هجوم واسع ومنهجي فالحالات التي تقوم الجماعات الحقوقية حاليا بتوثيقها تمت في أماكن مختلفة في مصر مثل الإسكندرية والقاهرة والسويس وسيناء وهي حالات لقنص بعض المتظاهرين بالرصاص الحي وبعض اللقطات المصورة لهذه الحالات تظهر أن الضحايا لم يكونوا يقومون بأي فعل عنيف بل إن بعضهم كان يقف بمفرده في مواجهة قوات الشرطة دون أن يحمل سلاحا أو حتى طوبة يوجهها لهذه القوات .. وهو ما جعل عدد قتلى التظاهرات في مصر يقدر بحوالي 500 قتيل وعدد الجرحى يقفز إلى بضعة آلاف .. ويمكن وضع هذا العدد المهول من الضحايا في سياقه الصحيح إذا ما عرفنا أن الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على لبنان لمدة شهر كامل أسفرت عن حوالي ألف قتيل .. بينما قمع المظاهرات في مصر خلال إسبوع واحد أسفر عن حوالي 500 قتيل .. أي أن معدل سقوط الضحايا في حرب استمرت لمدة شهر استخدمت فيها أشد وسائل القتل والتدمير جوا وبرا وبحرا لم يتجاوز ضعف ما سقط من الضحايا في مصر خلال اسبوع واحد من المظاهرات ..
ملف الأدلة ضد النظام المصري في هذه الحالة يتضمن أيضا دليلا شديد الأهمية يثبت منهجية ما حدث وأنه لم يكن مجرد تصرف فردي من جندي أو ضابط فقد أعصابه في مواجهة المتظاهرين .. ففي المضبطة الرسمية لمجلس الشعب توجد دعوة قدمها نائب عن الحزب الوطني الحاكم يطالب فيها أن تطلق الشرطة الرصاص الحي على المتظاهرين .. وهو ما يثبت وجود هذا الإتجاه عند النظام الحاكم الذي لم يتخذ إجراءات عقابية تجاه هذا التحريض العلني والرسمي لارتكاب جرائم ضد الإنسانية
قائمة الإتهامات ضد الرئيس مبارك تتضمن أيضا قيام النظام المصري بقطع الإتصالات (الإنترنت والهاتف المحمول) عن جميع أنحاء مصر بشكل منظم لأيام طويلة وهو ما يمثل عقوبة جماعية تعرض لها السكان المدنيون وأثرت على حياتهم
ويمكن أن تتسع قائمة الإتهامات لتشمل بعد ذلك جرائم التعذيب والإختفاء القسري للأشخاص وهي الجرائم التي تقوم جماعات حقوق الإنسان بتوثيقها بشكل منظم خلال السنوات الماضية .. وهناك اتهامات أخرى سوف تكون أصعب في التوثيق تتعلق بالدور الذي لعبته الأجهزة الرسمية في بث الفوضى في الشارع المصري عقب انسحاب الشرطة من الميدان مساء يوم 28 يناير
ملف إتهام الرئيس مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية يبدو قويا ومتينا ومتماسكا ووهناك آلاف الناشطين وعشرات من جماعات ومنظمات حقوق الإنسان يقومون حاليا بأدوار هامة في جمع وتوثيق الحالات التي ستشكل أساسا قانونيا للدعوى .. وهو ما ينتظر أن يتحقق خلال فترة قصيرة قادمة